مـيـرا جـزيـنـي
يعيش لبنان في قلب سباقٍ دقيق بين الديبلوماسية واحتمال التصعيد العسكري.
تتقاطع فيه زيارات الموفدين الدوليين والعرب مع تصعيد ميداني متزايد عند الحدود الجنوبية وفي قلب البقاع.
فمن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي حملت رسائل مباشرة من تل أبيب، إلى رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط...
وصولاً إلى الزيارة المرتقبة للمبعوثين السعودي الأمير يزيد بن فرحان والأميركي توم باراك
يبدو لبنان ساحة اختبار لإرادة القوى الكبرى في منع الانفجار أو تنظيمه وفق توازنات جديدة.
الرسائل الأميركية كانت واضحة:
المطلوب من الدولة اللبنانية تسريع خطواتها في ملف سحب سلاح حزب الله، وإثبات قدرتها على بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، وإلا فإن إسرائيل ستتصرف على طريقتها.
أورتاغوس نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين معطيات استخبارية إسرائيلية تتعلق بعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع سوريا...
ونشاط الحزب في مناطق محظورة جنوب الليطاني، إلى جانب تدفّق المال عبر معابر شرعية وغير شرعية.
وقدّمتها بلغة ديبلوماسية مخفّفة تحمل في مضمونها تهديداً مبطّناً بمرحلة أمنية أكثر سخونة.
في المقابل، قدّم المسؤولون اللبنانيون رواية تلتزم بخطة الجيش لتنفيذ قرار حصر السلاح.
مع مطالبة صريحة بدعم مالي وعسكري من المجتمع الدولي، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تقوّض قدرة الدولة على استكمال هذه الخطة.
ومع أن أورتاغوس شدّدت على ضرورة "اللحاق بمسار المنطقة" والانخراط في منطق الحوار والتسويات، فإن الموقف
اللبناني بقي حذراً حيال شكل وآلية أي تفاوض جديد مع إسرائيل، مفضّلاً الاكتفاء بإطار لجنة مراقبة وقف إطلاق النار.
اللافت أن زيارة أورتاغوس ظلّت نسبيا بعيدة من الإعلام، مما يعكس تحوّلاً في المقاربة الأميركية التي باتت تراهن على القنوات الهادئة بدل الخطاب العلني التصعيدي...
بالتوازي مع مواقف جديدة من مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب توحي بتفهّم نسبي لمسار الدولة اللبنانية.
لا ينفصل هذا التطور عن التنسيق المصري–الأميركي، إذ تحاول القاهرة لعب دور الوسيط...
القادر على فتح حوار مباشر مع الحزب لتجنّب الحرب وتكرار نموذج التهدئة الذي نجح في غزة.
تأسيساً على كلّ ذلك، يواجه لبنان لحظة دقيقة يُراد منها اختبار مدى جاهزية الدولة لإعادة بناء توازنها الداخلي.
وسط معادلة قوامها خياران لا ثالث لهما:
إمّا تثبيت مسار تفاوضي جديد برعاية عربية ودولية، يفتح الباب أمام تسوية شاملة.
وإمّا الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة يُترك فيها لبنان مجدداً لتصفية الحسابات الإقليمية.